جعجع: سنواجه أي سيناريو لتعطيل الانتخابات
قال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في حديث مع وفد من أسرة “النهار”: “إن حزب الله أحب وضع كل قصة عين الرمانة عندنا، لكننا بكل صراحة لم نكن مستهدفين. لا بد من العودة إلى جوهر ما حصل لمعرفة ماذا يحصل. لسنا نحن من كان مستهدفا، بل من كان مستهدفا هو التحقيق في قضية مرفأ بيروت، بكثير من البساطة”.
أضاف: “قبل يومين من أحداث 7 أيار 2008، في 5 أيار، عقد اجتماع حكومي، اتخذت فيه قرارات ليست لمصلحة حزب الله. وفي 14 تشرين الأول 2021، حصلت أحداث كان مقدرا لها أن تكون كأحداث 7 أيار، لكنها فشلت لأن الجيش تدخل هذه المرة بشكل حاسم. وقبل يومين من أحداث 14 تشرين، عقد اجتماع لمجلس الوزراء بعكس ما كان يريده حزب الله. هذا ما يختصر الصورة في كليتها. يقول حزب الله منذ أشهر على لسان أمينه العام إنه لا يريد المحقق العدلي ويتهمه بالتحيز والتسييس وتشكيل فتنة، لجأوا أولا إلى الأساليب القانونية وطلبات الرد وكف اليد، ولم ينجحوا. ثم اتجهوا إلى تهديد مباشر عبر نزول وفيق صفا إلى العدلية، ولم ينجحوا. ثم دعا نصر الله إلى اجتماع الحكومة لإيجاد حلول، فاجتمعت ولم تجد له حلا”.
وتابع: “بقي عند الحزب بعد ذلك حل وحيد بالذهاب إلى ما قاله إنه اللجوء إلى الوسائل الأخرى في حال لم تنجح الوسائل القانونية والسياسية. فما هي الوسائل الأخرى؟ التخطيط لمظاهرة من الضاحية إلى العدلية. تمر الطريق بالقرب من عين الرمانة. يدخل فرع من هذه المظاهرة بأهون ما يكون إلى عين الرمانة فيكسر ويقتل حتى اجتماع الحكومة واتخاذ القرار الذي يريده. أتمنى على الجميع مراجعة شرائط وسائل الإعلام الموجودة، حيث تحولت التغطية من مظاهرة إلى أحداث الطيونة – عين الرمانة. ومنذ اللحظة الأولى، بدأ تكسير السيارات والمحال والاعتداء على المواطنين وبعض العسكريين”.
وأردف: “إن أول 4 جرحى سقطوا كانوا من شباب عين الرمانة، ثم حصل الاشتباك، وتدخل الجيش، وحصل ما حصل. تاليا، لم تكن القوات محور الحدث على الإطلاق، بل حزب الله، بما كان خطط له ويحاول القيام به. أحب حزب الله أن يضع كل الدور لدى القوات، هذا من لطفه ومحبته، لكنه فعليا كان كل الدور لديه في الأحداث التي صارت، والتي تستمر حتى اللحظة، حيث يبقى محور الحدث، باستثناء الأزمة مع دول الخليج، بالتحقيق في انفجار المرفأ”.
وردا على سؤال عما إذا تحسبوا على الأرض لاحتمالية المواجهة؟ أكد جعجع “ألا تحسب عسكريا، لكن ما حصل قبل يوم في 13 تشرين الأول أن مئة رسالة صوتية انطلقت عبر مواقع التواصل من مسؤولين في حزب الله وأمل ينادون باستنفار عام والبقاء في مراكزهم وعدم الذهاب إلى الجنوب والبقاع. ومن جملة من سمعوا الرسائل الصوتية أهالي عين الرمانة. ويعلم الجميع الحساسيات، للأسف، الأكثر من تاريخية بين عين الرمانة والضاحية. لقد تأكدوا أن هذه الرسائل خطيرة، وأنا أيضا استمعت إليها، فاتصلت بمسؤول العلاقة مع الأجهزة الأمنية في القوات عماد خوري، وطلبت إليه أن يتواصل مع قيادات الأجهزة الأمنية وتكثيف حضورهم لأنه لا يفترض أن تحصل أي مشكلات. كثر سمعوا هذه الرسائل من جهة عين الرمانة، وكانوا يضعون أيديهم على قلوبهم تخوفا من أن يحصل شيء. ومن هذا المنطلق، ترقبوا ماذا سيحصل انطلاقا من التجييش الحاصل، لكنه في مقابل كل المسلحين من جهة حزب الله وأمل، هل هناك من لديه صورة لمسلح واحد من جهة عين الرمانة؟ لا أحد استطاع التقاط أي صورة، لأنه لا يوجد مسلحون، بل أشخاص يجلسون أمام منازلهم تحسبا لما حصل”.
سئل: من قتل الذين قتلوا؟
أجاب: “من التحقيقات الأولية التي ظهرت أنه بعد سقوط 4 جرحى من عين الرمانة، أطلق النار من جهة أهالي المنطقة بواسطة بارودة، ثم بدأوا يهرعون إلى منازلهم ويتناولون ما لديهم من أسلحة فردية. علمنا هذه التفاصيل من التحقيق الأولي الصادر عن المحكمة العسكرية”.
سئل: هل قصرت القوات في الدفاع عن المنطقة؟
أجاب: “إذا كنتم تعتبرون أن ما حصل هو تقصير، فنحن نقبل به، لأنه في ظل وجود الجيش الحالي وتصرفه بالطريقة التي يتصرف بها لا لزوم لأي حسابات، وهذا ما حصل. لا يمكن القيام بقوة عسكرية بحجة الحماية الذاتية. الجيش حاضر، ومنذ اللحظة الأولى كانت خطابات قائد الجيش واضحة لجهة أننا بقدر ما نعتبر أنفسنا مسؤولين عن الأمن الخارجي بقدر ما نحن مسؤولون عن الأمن الداخلي، وقد حصلت أحداث عدة أثبتت ذلك. هذه استراتيجية مختلفة عن الاستراتيجيات السابقة التي كانت تقول إننا للدفاع عن الوطن. أما المشكلات في الداخل فلن ندخله فيها لأنه ينقسم”.
سئل: هل دفاعك عن الجيش، لأنه تبين بأنه هو الذي أطلق النار وتعمل على التنسيق معه؟ أجاب: “أبدا، بل لأن هذا هو الواقع والحقيقة. الاشتباك بدأ عاديا بعد سقوط 4 جرحى من عين الرمانة، وردهم بما تيسر، ثم استلم الجيش الذي لم يخف ذلك. وطبعا، لو قام الجيش بما هو مخالف لذلك، كان ليكون متخاذلا، فهذا دور الجيش الحقيقي”.
وعن الاصطفاف الذي حصل إثر الحادثة ببعده السياسي والطائفي، قال جعجع: “إن حزب الله يدرك ماذا فعل أكثر من أي شخص آخر، ويدرك أن القوات لا تمتلك تنظيما عسكريا ولا كمينا، لكنه فعل ذلك لأنه يلاحظ منذ سنتين أن كل الأحزاب التي معه أو ضده ضعفت. وكثر من هذه الأحزاب تخلوا عن روح المقاومة ضده، ولا يريدون مواجهته. بقيت القوات اللبنانية فحسب واقفة على رجليها ومستمرة في الخط نفسه بما يتعلق بمبادئها وقناعاتها وطروحاتها، وهو يعتبر أنه إذا أزيحت القوات فلن يبقى أحد في المواجهة السياسية ضده. هناك بعض الأصوات التي لن تكون مؤثرة، والحزب لا يخشاها. لكن إذا بقيت هذه الكمية الكبيرة التي اسمها القوات اللبنانية، سيتكوكبون تباعا حولها بتحالفات وجبهات، كما يحصل في الوقت الحاضر كنواة مقاومة. وبمناسبة أحداث الطيونة وعين الرمانة تركب القضية تماما كما حصل في عام 1975، حين تبين أن حزب الكتائب يواجه منظمة التحرير، وأريد التذكير بأن أول 6 أشهر كانت الكتائب وحدها تخوض المواجهة، فاتخذ قرار من الجبهات الوطنية والتقدمية بعزل الكتائب. ما يحصل اليوم تقريبا هو الموضوع نفسه. لقد اتخذ حزب الله قرارا بعزل القوات لضرب آخر موقع مقاومة فعلي في لبنان، لكن النتيجة أتت عكسية”.
وعن الخدمة التي قدمها “حزب الله” لجعجع في ظل هجومه العنيف عليه، قال جعجع: “لقد حصل ذلك من دون أن يقصد الحزب خدمتنا. وكنت أتمنى أن يقوم بخدمة أكبر من تلك. هذه ليست خدمة عبر توقيف محاولات فرض إرادتهم بالقوة على ما تبقى من ناس. هناك أمور مقبولة وأخرى غير مقبولة. هذه أتت بضهر البيعة، لكن الخدمة الصحيحة بوقف محاولة فرض إرادتهم على الناس بالقوة. يريدون إزاحة المحقق العدلي، فسلكوا طرقا قانونية لم تؤد إلى نتائج. لا حول ولا قوة إلا بالله. يمكنهم الاطلاع غدا على القرار الظني وتعيين أفضل المحامين للمتهمين والدفاع أمام المجلس العدلي”.
وعن شعوره لحظة وصول التبليغ، قال: “كنت أحضر حلقتي يوم الخميس ليلا مع “أم تي في”، التبليغات تأتي قبل الظهر في العادة. هم نشروا خبر التبليغ عبر الإعلام. شعوري كان، ماذا يفعلون هؤلاء؟ لم تعد أمامي أحداث الماضي، لأن كل حقبة تنتهي عند حقبتها. سربوا خبر الاستدعاء لمحاولة التأثير على الحلقة. أول ما قمت به أنني لم أسمح بتأثير ذلك على الحلقة. في اليوم التالي، بحثت في الحيثيات القانونية، وتبين أن الاستدعاء غير قانوني، وقد وضع فريق المحامين النقاط غير القانونية أمامي. البعض يخال أنني لن أمثل أمام الاستدعاء، وهذا غير صحيح”.
وعن الاتصال الذي دار بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قال رئيس “القوات”: “كان اتصالا شيطانيا بعد طول غياب. رن الهاتف وقالوا لي إن فخامة الرئيس يريد التحدث إليك. ترددت للحظة، إذا كان لا بد أن أجيب أم لا. في العادة، يرسل خبرا مع وسيط. حملت الهاتف، وحولوا إلي الرئيس عون الذي قال إنه لا بد من توقيف هذه المسألة في عين الرمانة. قلت له إن الجيش قدها وقدود. فأجاب: نعم، لكن الناس يتجمعون، وقد يكون بينهم بعض المسلحين، وقد يتسلل بعضهم إلى أسطح الأبنية، فأجبت: ألا يستطيع الجيش اتخاذ كل التدابير اللازمة لتوقيف هذه القضية سريعا؟ بتقديري، حصل هذا الاتصال كبداية للاستدعاء. يريدون شيئا ليظهروا أن لنا علاقة بالقصة”.
وردا على سؤال عن “رفض المسؤولين المثول أمام أي استدعاء”، قال: “إن الأمور التي تشبه بعضها ليست بالضرورة كبعضها. هناك أمور تشبه بعضها، لكنها ليست مثل بعضها البعض. قبل سنوات، كان لدي جلسة في قضية قناة LBCI. قالوا إنهم يؤمنون الحماية الأمنية المطلوبة، وحضرت نصف نهار، وأدليت بإفادتي، وبقيت حتى انتهاء الجلسة. لا أعتبر أنه لا يجب أن أمثل أمام القضاء، لكن كل شيء له شيء. أحداث الطيونة لها جوانب سياسية أساسية بامتياز، ومن بدأ بها نصر الله بدعوات متكررة لقبع المحقق العدلي. يرسلون بطلبي في وقت لا علاقة لي من قريب أو بعيد بهذه القصة. لا بد من تصويب الأمور. الاستدعاء كان غير قانوني. وتبين في كل التحقيقات الأولية أنه لم يكن هناك أي ذكر لاسمي. الأشياء لا تشبه بعضها. مسألة كهذه تظهر أن هناك فريقا في البلاد يستقوي على الآخرين، ولا أحد يجرؤ على استدعائه للتحقيق في مقابل فريق آخر مستضعف في البلد يستدعونه من دون أن يكون هناك لزوم لاستدعائه. كان لا بد من موقف من الناحيتين القانونية والسياسية. كان موقفي واضحا بضرورة استدعاء نصرالله كمسؤول عن هذه الأحداث، وبعدها يأتي دورنا في الآخر”. ويشير إلى أن “قضية تفجير المرفأ تعتبر جريمة موصوفة وبهذا الحجم ولا بدّ من المثول أمامها”.
وعن “تحذيرات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي حول الشراكة الوطنية والمخاوف من البلد”، قال: “على المدى المنظور لا أحد يخال أن لدينا أي أمل سوى بالانتخابات. من هذا المنطلق، من المهم المشاركة في الانتخابات لتصحيح الخلل في البلد. وأكبر دليل أن إيران متمسكة بالمدى الحيوي في العراق. لقد حصلت الانتخابات، فخسرت إيران، ولا تريد ترجمة نتائج الانتخابات التي تعتبر مفصلا يحدد ما يحصل بعده. الناس أخذت فكرة بأنه في عام 2005 كان لدينا أكثرية، ويسألوننا ماذا فعلنا؟ لكن أكثرية عن أكثرية تفرق، وطرق التصرف تختلف تماما، كله يمكن تخطيه، فالمحقّق العدلي اليوم لم يستطيعوا إزاحته. الموضوع يحتاج إلى وقفة، والوقفة في لبنان مكلفة. هذا ما لم يحصل منذ 2005 حين حصلت بعض الوقفات الجزئية فحسب. قبل تشكيل الحكومة، كل فكرة التحالف الرباعي كانت خاطئة. الحصول على أقلية وازنة تتصرف بما يلزم في مجلس النواب يمكن أن تؤثر، لكن عندما تكون كل القوى مستسلمة أو مسلمة بالأمر الواقع، عندها يصح المثل مين عنترك يا عنتر؟ ما حدا ردني”.
وعن إمكانية تغير الأوضاع بعد الانتخابات، والحاجة إلى جبهة وطنية كبيرة غير ظاهرة، قال: “يمكن أننا لم نرها بشكلها المادي، لكن يمكن أن تحصل بشكل غير مباشر. منذ أسبوعين، تبدل شيء في البلد بعدما كان الحزب التقدمي الاشتراكي يعتبر أنه من الأفضل البحث عن ترتيب الأمور في البلد بما هو أفضل، ورأى أمس أن الأمور وصلت إلى مكان لا يمكن أن تكمل بالطريقة الحالية. الشيء نفسه يحصل مع قوى أخرى. قد لا نقوم بتحالف وطني عريض على طاولة واحدة، لكن على طاولات مختلفة، ناس لديها الهدف نفسه، تؤدي النتيجة ذاتها، كما لو أنها تجلس على طاولة واحدة. هناك مجموعة في البلد أصبحت على يقين بحقيقة المرض في البلد، وترى أننا أصبحنا في القعر. كل فكرة حكومات الوحدة الوطنية أوصلت إلى الواقع الحالي. منذ 2007 حتى 2009، أكد نصر الله أنه يريد الثلث المعطل باعتبار أن انتخابات 2005 أتت نتائجها عاطفية بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري مطالبا بانتخابات مبكرة. حصلت الانتخابات في ظروف طبيعية في عام 2009، إلا في ما يخص اغتيالات قوى 14 آذار الذين اغتالوهم، صارت الانتخابات ولم نحكم. العطب في اتخاذ قرار بالمواجهة السياسية الواضحة جدا للواقع السياسي الموجود في البلد”.
أضاف: “إذا فرزت الانتخابات اليوم أقلية وازنة، التي أنا شبه أكيد، أنها ستتبلور في ظل صعوبة وضع التيار الوطني الحر، والقرارات الصادرة عنه بعدم المشاركة في الانتخابات النقابية، وسط غياب المقوّمات لخوض معارك انتخابيّة نقابية، واستطراداً لا مقومات مهمّة لخوض معارك انتخابية نيابية. هل سيعطّلون الانتخابات؟ هذا بحث آخر. هذا وضع الحليف الأساسي لـ”حزب الله” اليوم، في وقت الذين هادنوا الحزب لا يمكن أن يستمروا في مهادنته في الشارع السنيّ أو الدرزيّ انطلاقاً من سوء الأوضاع في الوقت الحاضر. هذا من شأنه على الأقلّ المساهمة في الحصول على أقليّة وازنة. لكن، لا يعني ذلك حصول ما تبقى من قوى على أكثرية. من هنا، لا بدّ من اتخاذ موقف والسير به”.
وتابع: “إن الأوضاع في لبنان تشير إلى أن أحدا لم يعد في استطاعته التهرب من المواجهة السياسية، فالمواجهات الأخرى تزيد المشكلة تعقيدا. على المستوى الدرزي أو السني، الكل يريد الذهاب إلى حلول. أتى الرئيس نجيب ميقاتي الذي لا أحد يشك في حسن نواياه وقدرته على العمل ومعرفته بالأشياء. لم يستطع أن يقترب خطوة إلى الأمام. الأزمة التي نمر بها كلها سيئات، لكن لديها حسنة وحيدة بسقوط الأقنعة. أعول على كثير من الناس إلا الذين لديهم مصلحة مع الحزب أو التركيبة الحالية، الذين لا ينتجون أكثرية، بل أقلية. ما تبقى يدركون أين المشكلة، وتاليا، الأمل الكبير في الانتخابات بإنتاج إما أقلية وازنة، وإما أكثرية جيدة تستمر في المواجهة السياسية كما يجب من أجل تقويم الأمور في البلد. لو أن الانتخابات لا تؤثر في مسار الأمور، فلماذا في العراق على إثر خسارتهم للأكثرية النيابية نزلوا إلى الشارع؟”.
وعن مدى واقعية المقارنة بين لبنان والعراق، رأى أن “الكتلة الشيعية في العراق، غير متراصة – صحيح – لكنها تشكل على الأقل 55% من الشارع العراقي. جماعة إيران في لبنان متراصون لكنهم كم يشكلون من مجموع البلد؟ حتى الذين يسمون كتلة شيعية – متراصة وغير متراصة- تشكل كلها 30% أي بحجم الكتلة الإيرانية الصافية في العراق”.
وعن تأييده انسحاب أو ترشح الرئيس سعد الحريري، قال: “علينا أن نترقب ماذا سيفعل. للأسف، يوما بعد يوم، تطغى المؤشرات السلبية على الإيجابية في هذا الخصوص. أتحدث عن ميزان قوى داخل مجلس النواب. الميثاقية في لبنان هي ما بين المسلمين والمسيحيين. لقد حصل خلل في هذا المفهوم آخر 30 سنة عن سابق تصور وتصميم، لكن ذلك غير صحيح. ولا يمكن القول إن الميثاقية هي ما بين الموارنة والأرثوذكس، مثلا. الميثاقية هي ما بين المسيحيين والمسلمين. وإذا ذهبنا أبعد من ذلك فتتنا لبنان. وتاليا، الميثاقية ستبقى مؤمنة بشكل دائم”.
وقال ردا على سؤال حول على من يراهن في المواجهة السياسية: “القسم الأكبر من المسيحيين، باستثناء القسم المتبقي من العونيين، يشاركوننا الرأي، وكلهم يسعون إلى الخلاص والمواجهة السياسية. ربما يريدون أكثر من ذلك، لكننا لسنا مع ما يريده البعض بالذهاب إلى مواجهة أكثر من سياسية. الأكثرية الساحقة من المسيحيين تريد الخلاص من الوضعية التي هي فيها. وليد جنبلاط قال هذين الأسبوعين حقيقة شعوره، الذي لم يكن يقوله سابقا للاعتبارات المعروفة. يبقى هناك الشارع السني، إن كان تيار المستقبل، الذي خاض المعركة، أو ناس آخرون، فإن الاتجاه السني الشعبي في لبنان هو الاتجاه نفسه الذي نطرحه، ونتيجة الانتخابات ستكون في الاتجاه الذي نطرحه. يبقى أن ننتظر بعض المفاجآت عند الشيعة. الصورة ليست سودوية بهذا القدر، بل تكون سودوية إذا تركنا كل شيء على ما هو”.
وعن عنوان معركته الانتخابية هذا العام، شدد جعجع على عبارة “الخلاص”، وقال: “أنا لست من أصحاب النظريات الكبيرة، سيكون لنا شعار للحملة الانتخابية، والنقطة الأولى التي علينا المباشرة بها أن يكون ما تتحدث به الحكومة داخل جلسات مجلس الوزراء هو قرارها، ومن غير المقبول أن يزايد أحد عليها. لا بد من البدء كرجالات دولة في الحكومة ورئاسة الجمهورية، وليس انتظار ما إذا كان حزب الله سيمشي أم لا. من لديه الأكثرية النيابية يشكل الحكومة على هذا الأساس ويحكم ويتخذ قرارات صغيرة أولا كإصلاح الأداء الوظيفي في القطاع العام والقرارات المالية في الاتجاه المطلوب. وإذا وجدت حكومة لديها الحد الأدنى من الثقة، يمكن الخروج من الوضعية التي نحن فيها خلال شهرين، والعودة إلى الوضعية السابقة، لكن لا بد من شخص يدير موجودات لبنان بالطريقة الصحيحة، وهذه مسألة مفقودة كليا اليوم”.
أضاف: “ما يعطل الحكومة اليوم، الأكثرية الحكومية. ولو أن الرئيس ميقاتي لديه الحرية اليوم لكان دعا إلى اجتماع مجلس الوزراء. حزب الله في الأكثرية التي لديه يعطل الاجتماعات، وليس لأن رئيس الحكومة لا يدعو إلى جلسات وزارية. واضح جدا موقف ميقاتي بضرورة ترك المحقق العدلي يقوم بعمله. إذا انتزعنا الأكثرية النيابية، أصلا لن يستطيعوا التحكم بالأكثرية الوزارية. البعض يقول إذا لم تشكل حكومة كما يريدون يحدثون مشكلات. يريدون القيام بمشاكل؟ “يعملوا مشاكل”. لا بد من قوى سياسية تقول ذلك، لا أن تؤثر قمصان سود في تشكيل الحكومة. لا بد من الذهاب في مواجهة سياسية واضحة المعالم. التيار الوطني الحر يفعل ما يريدون في مقابل الحصول على بعض النواب والوزراء، حتى تحقيق مصالحه الانتخابية. هل هذا تواطؤ وخيانة أم لا؟”.
وعن أهمية دور المغتربين، قال: “إنهم جزء من القوة الناخبة اللبنانية، وهذا الجزء مهمّ لأنهم لا يستطيعون الوصول إليه في الترغيب والترهيب، ولا يحتاج إلى شيء أو إلى زيارة في المناسبات حتى انتخابه. إنه حر أكثر من قسم من اللبنانيين الموجودين هنا”.
أضاف: “سنواجه أي سيناريو لتعطيل الانتخابات بكل القوى السياسية التي لدينا. لن يكون سهلا على الذين يحاولون تعطيل الانتخابات – التيار والحزب – لأن كل القوى الداخلية تنتظر هذا الاستحقاق، إذ لا أمل في المستقبل من دون هذا الاستحقاق. ندعو إلى انتخابات نيابية مبكرة منذ سنتين، وتناقشنا، واختلفنا مع أصدقائنا الفرنسيين على أن تشكيل الحكومة لن يغير في ميزان القوى بالمجلس النيابي. لا يمكن فعل شيء في ظل الأكثرية النيابية الحالية. كنت أتمنى إجراء انتخابات قبل عامين تساهم في التخلص من الأكثرية النيابية الحالية وتشكيل ما يمكن تشكيله مع القوى الأخرى”.
وأكد شكه في “القدرة على استعمال السيناريو الأمني”، وقال: “هذا لا يعطل الانتخابات. وإن احتمال قتله موجود منذ 2005، وجربه في عام 2012. اليوم، الوضع أكبر، لكن لا نصف احتياطات أو ربع احتياطات. سبق الفضل في عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وشهداء 14 آذار. منذ ذلك الحين، أيقنت أنه عندما يحشرون في اللعبة يلجأون إلى الاغتيال. أتخذ تدابير أشد، ولا أخاف. من يخف “بتروح عليه”. أول جندي يموت، هو الذي يذهب إلى المعركة خائفا”.
لماذا لم يضطلع بدور خلال الأزمة مع الخليج؟ أجاب: “لأن الأزمة أعمق وأكبر بكثير من قدرة أحدهم على لعب دور. الأزمة مع الخليج استراتيجية جدا، وسأحاول تلخيصها بكلمتين. في السنوات الأخيرة، اتخذ الصراع الفارسي – العربي أبعادا لم يأخذها في السابق على الإطلاق. الصراع الفارسي – العربي كبير جدا، وكل فريق يستجمع أوراقه وتحالفاته، ويقارب من هم حلفاؤه وأعداؤه. من جراء تحكم حزب الله في لبنان، اتخذت الدولة اللبنانية تموضعا كاملا مع المحور الفارسي، وهذا جوهر الأزمة وليس تصريح الوزير قرداحي، الذي شكل نقطة صغيرة في كيل طافح. البطريرك حاول، وأنا حاولت. لكن المشكلة أبعد من علاقات شخصية، وعلى هذا المستوى الاستراتيجي. لا بد من رئيس الجمهورية والحكومة أن يغيرا في كامل المسار. إذا كنت عدوا لهم سيتحولون إلى عدو لك”.
وعن مرشحه لرئاسة الجمهورية، قال: “نتحدث عن مسألة بعد مئة سنة. في الأوضاع التي نعيشها بعد مئة سنة. سنصل إليها في النهاية، لكن الأحداث التي نعيشها تجعلنا نراها حدثا بعيدا جدا”.
سئل: هل من رسائل تلقفتها من الاستعراض العسكري الذي قام به “حزب الله” مؤخرا وقيل إنه على تخوم عيون السيمان؟
أجاب: “ليسمحوا لنا لم تكن هذه هي الرسالة. بحسب معلوماتي، أحد لم يقترب من عيون السيمان. جل ما فيه أن السيد هاشم صفي الدين كان يدشن بئر مياه في مكان ما بجرود حدث بعلبك، فأتى إلى هناك، واتخذوا إجراءات أمنية والانتشار الأمني الذي قاموا به، ثم انسحب بعد تدشين البئر. هذا ما حصل. وفي رأيي، لا يتعذبوا في بعث رسائل لن يكون لها أي تأثير”.
وقال: “ليس حزب الله هو من يعطل مجلس الوزراء، بل حلفاء الثنائي الشيعي الذين يساعدونه. يقولون إنهم سينسحبون من مجلس الوزراء، وينسحب معهم المرده وأرسلان. وعون لا يستطيع أن يحملها. من يساهم في التعطيل هم المساومون الآخرون وأكلة الجبنة. الثنائي لا يستطيع أن يفعل ذلك بمفرده على الإطلاق. أريد التذكير بأن الثنائي سبق أن انسحب من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ولم يتبدل شيء.وأذكر أيضا بأن الثنائية في لبنان مسيحية – إسلامية، ولا نريد تخريب المفاهيم التي قام لبنان على أساسها”.
وعن التواصل العربي مع النظام السوري، قال: “إن ما يحصل ليس انفتاحا على النظام السوري بل على ما استقرت عليه الأوضاع في سوريا. يمكن أن تستمر الأوضاع مئة سنة على هذا النحو. الغرب أعلن موقفه، ويقف عنده فحسب، بعدم التعامل مع النظام لأنه مجرم. النظام نظام، وإيران متمسكة بقراره. روسيا تجلس في مكان ما، وتركيا في مكان ما. وأميركا وإسرائيل في مكان ما. النظام في سوريا لا قلب أو عقل لديه. يكفيه أن يبقى موجودا كنظام، ولم تفرق معه هجرة ملايين السوريين. فكرت الدول العربية بخطة بدأت مع جيفري فيلتمان من أميركا بأن النظام السوري ميؤوس منه، والهدف تغييره على المدى المتوسط والبعيد، لكن الهدف باق. لا يتغير النظام إذا بقي الوضع على حاله. هناك تجربة لبيعه خطوة مقابل خطوة تؤدي في النهاية إلى التغيير السياسي المطلوب. لست مع هذه النظرية، لأن لا شيء يفيد مع هذا النظام. لن يحصل شيء معه أو ينعكس على لبنان، لأن الوضع فالج لا تعالج. أحبوا أن يجربوا فلنر ما النتيجة. روسيا ومصر والأردن، والآن الإمارات بشكل أساسي حبت أن تجرب، لكن ذلك لا يعني انفتاحا عربيا على سوريا”.
وعن إمكان التوجه إلى مؤتمر تأسيسي والحاجة إليه، اعتبر أن “الحاجة إلى مؤتمر وطني باعتبار أن المؤتمر التأسيسي تسمى على حزب الله، لكن السؤال هل الأفرقاء اللبنانيون حاضرون لهذا النوع من البحث؟ لا أعتقد أنهم جاهزون. الأفضل الحفاظ على النظام الحاضر على أن نكون من دون بديل في المقابل. لأنه لا يجب أن نتخلص من هذا النظام من دون التوصل إلى نظام بديل. أفضل ما يمكن القيام به حاليا هو ترميم النظام، وهذا الهدف من قيام دولة في لبنان”.
وعن عدم تحسين واقع الدولة، رغم الحديث منذ سنوات، قال: “بعض الناس كان يتحدث بهذه الطريقة من دون فسحة أمل. نحن كقوات لبنانية فعلنا أفضل ما يمكن فعله على قدر ما الناس أعطونا في الانتخابات النيابية. ولنفعل أكثر، عليهم أن يعطونا سلطة أكثر. إحدى النقاط التي تغيب عن ذهن البعض، أن السلطة في نهاية المطاف هي في يد الناس، ولا أحد يستطيع أن يدخل مجلس النواب بالقوة”.
وعن توجهات “القوات اللبنانية” في التحالفات الانتخابية في عام 2022، قال: “نفكر في أن نترشح وحدنا مع بعض المستقلين، باستثناء الجبل الذي لديه وضعية خاصة لها علاقة بالاستقرار في الجبل والحياة ككل في الجبل. ولذلك، مطروح أن نتحالف مع الحزب التقدمي الاشتراكي؛ سوى ذلك مطروح التحالف مع مستقلين”.
وعن مجريات محاولة اغتيال الكاظمي في العراق كنوع جديد من الاستهداف في عمليات الاغتيال ومقارنته بالوضع اللبناني، قال: “هذا السيناريو حصل في لبنان، ولبنان سبق العراق 16 سنة. تعددت الوسائل والموت واحد. المدرسة نفسها، والأساليب نفسها، والفريق نفسه في كل زمان ومكان. لا شيء جديدا إذا كان بمسيرة أو برصاص قناصة بالقرب من حديقة معراب أو متفجرة قرب السان جورج”.
وعن تحذيرات أكثر من قطب سياسي من عودة ممارسات النظام الأمني الذي شهده لبنان قبل ثورة الاستقلال، قال: “لولا الجيش الحالي لكان النظام الأمني عاد منذ 5 سنوات. النية السياسية للعودة إلى النظام الأمني موجودة منذ 5 سنوات. على الأكيد، وللتاريخ، كان النظام الأمني عاد منذ 4 سنوات. النية السياسية موجودة لعودة النظام الأمني. لا نظام أمنيا يعود من دون جيش، فالجيش الحالي هو الذي منع عودة النظام الأمني”.